قاعدة الجهل بالقانون في الشريعة والقانون الكويتي
منذ ان خلق الإنسان وهو دائم البحث عن معرفة كل شيء اذ تتوق نفسه دائما الي التعلم والمعرفة ولعل ما يدفع الانسان الي البحث عن المعرفة للتعلم وتحصيل اكبر قدر من العلوم بشتى وبمختلف مجالاتها وانواعها هو حكمة الله التي علم بمقتضاها الانسان من لدن سيدنا ادم عليه السلام فعلمه الله اسماء الاشياء كلها والتي عرضها على الملائكة التي اقرت بانها لا تعلمها ليبين للإنسان قيمة وقدر العلم وان الله منح الانسان التفكير والعقل بحثاً عن العلم والتعلم ، لذا فان الانسان دائما ما تتطور قدراته العقلية بفضل العلم ومازال الانسان يسعى جاهداً الي الحصول على العلوم المعرفية المختلفة مدام الانسان ينبض قلبه بالحياة.
وعلى ذلك فرضاء أي مجتمع بالجهل يترتب عليه اثار عظيمة تنعكس على افراده بدء من علاقته الربانية بالله عز وجل مروراً بتفشي الامراض الخطيرة على صحة الانسان النفسية والجسدية ، انتهاء الي هزيمة الافراد وضعف قوتهم امام المجتمعات الاخرى بما يجعلهم عرضة للخضوع لإرادة الامم المتعلمة يستغلونها كيفما يحلو لهم.
وجدير بالإشارة ان نمو الجهل داخل المجتمعات بمثابة تربة خصبة ينمو فيها التطرف الفكري مما يخلق معه وجود للكيانات والجماعات والاحزاب الارهابية التي تقاتل على اساس من العرق او الجنس او الدين وهو ما ينعكس بصورته العنيفة على الامة فتضيع معها الامة وتضيع معها الارض والعرض ، وفي المقابل الاخر فان ما يترتب على العلم وتطوره انعكاس على الافراد والمجتمعات اذ يستطيع الانسان داخل المجتمع التعرف على حقوقه وواجباته بما يضمن له العيش الامن فضلاً عن سمو اخلاقه ويجعله عنصراً فعال داخل الجماعة بما يدفع الامة الي النمو والتطور والازدهار بما ينعكس على المستوى المعيشي للأفراد داخل المجتمع.
ماهية الجهل
يعرف الجهل بأنه اشد الإمراض فتكاً بالإنسان والمجتمعات فنقص المعرفة والخبرات وعدم الإدراك العقلي بصورة عامة يعد من المفردات المعبرة عن الجهل ويطلق أيضاً تعبيراً على الجهل مصطلحات أخرى كعدم الإدراك والوعي أو عدم الإلمام.
الجهل في الشريعة
ان جهل الانسان بما جاءت به الشريعة الاسلامية يعد امراً في غاية الخطورة ينعكس اثره على دنيا الانسان ودينه ، اذ ان غياب العلم من شأنه ان يجعل الانسان غير قادر على التصرف في شؤونه الدينية والدنيوية ، لذا حرصت الشريعة الاسلامية وحثت افراد الامة على التعلم والتدبر والتفكير ليمحوا الانسان ظلمة العقل وما يدخله من معتقدات خاطئة تصل الي حد الجنون.
فالعلم امراً لازم للمسلم اذ من خلاله يمكن للانسان الوقوف على حكم ما يؤديه من عبادات ومدى صحتها من عدمه فاتيان المعاصي لا يتأتي الا لجاهل بحكم دينه في امور المعاملات والعبادات بما يترتب عليه ضياعً للدنياً والدين وغلواً في الدين يؤدي الي تطرف منبوذ.
طالع أيضا: الأمر الجزائي في التشريع العقابي الكويتي
ما يترتب على الجهل من اثار بالنسبة للشريعة الاسلامية:
يترتب على الجهل اثاراً سلبية ومفسدة كبرى لاسيما في شأن العبادات والمعاملات ويتضح ذلك من خلال النقاط التالية:
- يترتب على الجهل تحكيم اسوء العادات المعمول بها في جماعات الظلام لذا نرى من خلال دراسة السيرة النبوية للرسل ان جهلاء القوم هم من كانوا اشد عداءً لدعوات الرسل اذ دائماً ما يزاحم الجهل العلم في الوجود فيدحضه العلم وينتصر.
- كما يترتب على الجهل في مجال الدعوة الدينية انتشار العبادات والضلالات والبدع التى تنافي العقل والشرع السليم.
- كما يترتب على الجهل زيادة المعاصي وضعف الايمان وهزيمة الانفس امام الاعداء وتخلف المجتمع بصورة تجعله خاضعاً لارادة الامم المتقدمة.
الجهل في القانون
يعرف القانون قواعد قانونية ملزمة للكافة ومن ضمن هذه القواعد القاعدة القائلة بعدم جواز التمسك بالجهل بالقانون ، ومؤدي ذلك ان القانون اذا ما صدر عن قنواته الشرعية عد ملزماً للكافة دون أي تمييز بين أفراد المجتمع.
ونشير الي قاعدة عدم جواز التذرع بالجهل بالقانون يتحدد نطاقها في :
1- بالنسبة للأفراد: يتطبق القانون على الافراد كافة داخل اقليم الدولة دون النظر الي جنسية الافراد سواء كانوا من مواطني الدولة ام من الاجانب ما داموا كانوا من المقيمين على ارض الدولة وسواء كانوا افراداً طبيعيين او معنويين فالجميع داخل اقليم الدولة ملزمون بتطبيق القانون.
وتجدر الاشارة الي ان المشرع الجزائي اقر مبدا المساواة من حيث المعاملة القانونية بالنسبة للأفراد الموجودين على اقليم الدولة فعد الجميع عالمين بالجرائم والعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات استناداً الي افتراض العلم فيهم بقانون الدولة.
ونشير الي ان القانون لم يكن يفرق ابدا بين الفرد المتعلم وغير المتعلم في شأن تقرير الجرائم والعقوبات الا انه قد وضع في اعتباره درجة العلم وجسامة الجريمة فجعل العلم والجهل اسباباً لتشديد العقوبات وتخفيفها فيشدد المشرع على الجرائم المرتبكة من افراد يعلمون بصورة يقينة مدى جسامة الفعل وفي المقابل خفف المشرع العقوبات المتعلقة بالجرائم التي يرتكبها من لم ينال حظاً من العلم مع مراعاة الظروف الاجتماعية التي احاطت به وقت ارتكاب جريمته.
2- بالنسبة للسلطات الرسمية للدولة: تلتزم المؤسسات العاملة داخل الدولة بتطبيق القانون على نحوه الصحيح ولا يجوز لها مخالفة القانون أو مخالفة أحكامه وتفسيرها على نحو مغاير لما قصده المشرع منه
3- بالنسبة القضاء: لا يملك القاضي ان يعطل نص قانوني او يحكم بما لم يقر به القانون كما لا يجوز له ان يجاوز النص بما لم يتضمنه من احكام وعقوبات فاذا ما الزم القانون على القاضي اتباع طريق معين عند الحكم في دعوى معينة فان القاضي ملزم بما الزمه به القانون دون ان تكون له أي سلطة في اعمال النص او عدم اعماله.
أثر الجهل في القانون
لا يؤثر الجهل بالقانون بالنسبة الي المسؤولية الجنائية للجاني الا ان الجهل بصفة عام قد يضفي على الفرد ظلمه تجعله تربة خصبة لارتكاب الجرائم فتجعله منساقاً الي التطرفات الفكرية التي تصل به في النهاية الي حد الزج به في غيابات السجون او التضحية بحياته في سبيل معتقدات خاطئة.
في النهاية لا يسعنا المقام ولا المقال الا ان نذكر نفسنا بان في العلم ضياء يضيئ للناس دنياه فالأمة التي تقبل الجهل وترتضيه عليها ان تدفع ثمن ذلك من امنها واستقرارها بل وحياة افراد هذه الامة التي قد تنتهي في ظلمات الجهل .
لذا حرصت الشرائع السماوية على التعلم والمعرفة وحثت ابتاعها على العلم والبحث عن المعرفة في شتي صورها ومجالاتها اذ لا يمكن ان يصل الانسان الي مرتبة الايمان الا عن طريق العلم فبالعلم وحده يصل الانسان الي الخالق وقدرته وحكمته في خلقه.
وانطلاقاً من عدم الاعتراف بالجهل في الشريعة الاسلامية كأسباب لرفع التكليف عن المكلف بالعبادة فقد سار المشرع الوضعي في هذا الركب ليقرر عدم الاعتراف بالجهل في مجال تطبيق القانون في شأن تقرير المسؤولية اذ اصبح العلم بالقانون مفترضاً في جانب افراد المجتمع بمجرد صدوره عن الهيئات التشريعية المختصة بإصداره وبإعلانه للكافة، وبهذا نكون قد انهينا مقالة قاعدة الجهل بالقانون في الشريعة والقانون الكويتي.
طالع أيضا: الاستشارات القانونية في الكويت